top of page

ثقوب دودية مكتشفة حديثاً تكشف الستار عن معلومات استطاعت الإفلات من الثقوب السوداء

Updated: Aug 30, 2021

علماء الفيزياء يفترضون وجود نوع جديد من الثقوب الدودية القابلة للعبور و القادرة على حل ألغاز عسيرة تتعلق بحفظ المعلومات الواقعة في الثقوب السوداء



في عام 1985 عندما كان النجم التلفزيوني و العالم الفيزيائي الفلكي بجامعة كورنيل كارل ساغان (Carl Sagan) يكتب روايته الشهيرة "إتصال"، قام بنقل بطلته "د. إلي أرواي" (Dr. Ellie Arroway) بسرعة من الأرض إلى النجم فيغا (Vega). حيث أخذها برحلة في الفضاء عبر إدخالها في ثقب أسود و إخراجها على بعد سنوات ضوئية منه. و لكنه لم يكن يعلم إن كان ما كتبه قد يعني شيئاً ما.

أثناء كتابته لروايته، استشار ساغان صديقه "كيب ثورن"، الخبير في مجال الثقوب السوداء بمعهد كاليفورنيا التكنولوجي و الحاصل على جائزة نوبل مسبقاً في الشهر نفسه. علم ثورن أن أرواي لا تستطيع الوصول إلى فيغا عبر ثقب أسود، حيث أن الثقب الأسود يقوم على حبس و تدمير أي شيء يقع بداخله. لكن بدا له أنها استخدمت ثقباً من نوع آخر، ثقباً يتواءم مع النسبية العامة للعالم الشهير أينشتاين. شيئ ما كالبوابة، أو الممر (ثقباً دوديا) و الذي يعمل على وصل الوجهات البعيدة في الزمكان مع بعضها البعض.

عندما كانت الثقوب الدودية النظرية تتلاشى و تختفي بسرعة دون تمكن أي شيء من العبور خلالها، تساءل ثورن إن كان باستطاعة حضارة علمية متطورة أن تجعل ثقباً دودياً يستقر لوقت كاف لمرور شخص أو شيء من خلاله. حيث خلص ثورن إلى أن حضارة كهذه ستكون قادرة على إبقاء عنق "ممر" الثقب الدودي مفتوحاً بواسطة مادة غريبة ما. مادة قادرة على عكس قابلية هذه الثقوب على التلاشي، و التي تمتلك طاقة سالبة قادرة على طرد الإشعاعات و دفع الزمكان بعيدا عنها.

في مجرى الرواية "إتصال" قام ساغان بحيلة بسيطة، حيث جعل هذه المادة كإحدى مكتشفات حضارة قديمة ضائعة، و ذلك لتجنب التفصيل عن ماهيتها. إلا أن هذه التفصيلات بالتحديد، قد جذبت اهتمام ثورن و طلبته و العديد من الفيزيائيين الذين قضوا سنيناً عديدة في استكشاف الثقوب الدودية و وضع افتراضات تعنى بها. حيث رسى ركبهم إلى أن هذه الثقوب الدودية قادرة على العمل كآلات للسفر عبر الزمن. و بذلك، فإن مادة كهذه لا يمكن لها أن توجد في الطبيعة.

الآن، و بعد انقضاء عقود كثيرة، تم اكتشاف أنواع عديدة من الثقوب الدودية دون الحاجة إلى أي مادة غريبة. ثقوب دودية قادرة على تقديم يد العون لعلماء الفيزياء في حلهم للقضايا المعقدة التي تتعلق بالثقوب السوداء. و هذه القضايا بالتحديد، هي التي وضعت العديد من المعوقات أمام ساغان أثناء كتابته لروايته و جعلت ثورن يطيل النظر و التفكير في مسألة الثقوب الدودية، و على وجه الخصوص قضية كون الاشياء التي تسقط في الثقوب السوداء تبدوا و كأنها تختفي بلا عودة. هذا الإنعدام الكلي للمعلومات المتعلقة بالأشياء بعد اختفائها قد كسر قوانين ميكانيكا الكم، و تحدى الخبراء و العلماء الذين بدؤوا في التشكيك في إمكانية دخول الثقوب السوداء في الأصل. حيث أن الزمن و المكان ينتهيان على نحو غريب عند الأفق.

عدد هائل من المكتشفات تعود للعام الماضي، انطلقت من الورقة البحثية التي سلطت الضوء على أول ثقب دودي قابل للعبور دون الحاجة إلى مادة ما لإبقائه مفتوحاً. تبعاً لبينغ غاو (Ping Gao) و دانييل جافيريس (Daniel Jafferis) من جامعة هارفارد و أرون وول (Aron Wall) من جامعة ستانفورد، فإن في عنق الثقب الدودي توجد طاقة سالبة ذات طبيعة تنافرية يمكن أن تُستَمد من المحيط بواسطة رابط كمي خاص يعمل على وصل الثقبين الأسودين المكونين لفمي الثقب الدودي. عندما يتصل الثقبان الأسودان بالشكل الصحيح، فإن إلقاء شيء في أحدهما سيجعله ينتقل عبر عنق الثقب الدودي تبعاً لأحداث معينة خارج الكون، و يخرج من الثقب الآخر. و مما يجدر ذكره هو أن غاو، جافيريس، و وول لاحظوا أن تفسيرهم الحدثي يتفق رياضياً مع عملية تسمى بالنقل اللحظي الكمي (quantum teleportation)، و التي تعد المفتاح لما يسمى بحفظ المعلومات الكمي (quantum cryptography) و الذي يمكن اختباره عملياً في المختبر.

جون بريسكيل (John Preskill)، خبير في مجال الثقوب السوداء و الجذب الكمي في كالتك قد صرّح بأن هذه الثقوب الدودية القابلة للعبور قد شكلت صدمة للعلماء، و جاءت باستنتاجات تعنى بالألغاز التي تدور حول معلومات الثقوب السوداء و ما يدخلها. يقول جون: "ما أثارني حقاً، هو قدرة مراقب ما على دخول ثقب أسود و الخروج منه ليطلعنا على ما رأى!". مما يدل على أن الدخول في الثقوب السوداء ممكن، و أن ما يدخل لا بد له أن يخرج.

المعادلة الغامضة

بدأت الأبحاث حول الثقب الدودي الجديد في عام 2013، عندما انظم جافيريس الى محاضرة شيّقة في سترنغس كونفرينس"strings conference " في كوريا الجنوبية. بيّن المتحدث وان مالداسينا (Juan Maldacena) الحاصل على البروفيسوراه في الفيزياء بالمعهد العالي للدراسات في برينستون بولاية نيو جيرسي، بناء على عدة أدلة و مناظرات أن "ER = EPR". أي، أن الثقوب الدودية التي تصل نقاط مختلفة من الزمكان و التي تسمى بجسور أينشتاين-روزن أو جسور "ER" تتعادل مع جزيئات كمية مترابطة تعرف بزوج أينشتاين-بادولسكي-روزن أو زوج "EPR". العلاقة "ER = EPR" التي توصل إليها مالداسينا و ليونارد ساسكيند (Leonard Susskind) بجامعة ستانفورد، كانت بمثابة محاولة لحل لغز غياب معلومات الثقب الأسود، عن طريق ربط هندسة الزمكان باستخدام النسبية العامة مع الوصلات الكمية اللحظية بين الجزيئات المتباعدة، و التي أطلق عليها آينشتاين اسم "الحدث الغامض بعيداً".

تم تسليط الضوء على هذا اللغز في عام 1974، عندما بيّن الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ (Stephen Hawking) أن الثقوب السوداء تتلاشى ببطء، مطلقة الحرارة في صورة جزيئات تعرف حالياً "بإشعاعات هوكينغ". حيث أثبتت حساباته أن إطلاق هذه الحرارة يتم بصورة عشوائية، و الذي يعني أنها لا تعطي أي معلومات عن ما يحتويه الثقب الأسود. لذلك، فإن اختفاء الثقب الأسود عن الوجود، يعني ضياع سجلات أي شيء قد وقع بجوفه. إلا أن هذا يتعارض مع مبدأ في الفيزياء يطلق عليه اسم مبدأ التوحيد (Unitarity Principle) و الذي يعد حجر الأساس لنظرية الكم. حيث نص على أنه عند تفاعل الجزيئات معًا، فإن المعلومات بشأنها لا يمكن أن تفقد. تستطيع الإفلات بسرعة، و لكن ليس في استطاعتها أن تختفي. و بذلك، فإن الرجوع بشريط الزمن في الثورة الكمية للكون، سيسمح بكشف المعلومات ذاتها على النحو الذي تكونت به.


دانييل جافيريس، حاصل على الدكتوراه في الفيزياء بجامعة هارفرد

الجميع تقريبا يؤمن بمبدأ التوحيد، و الذي يعني بأن المعلومات لا بد لها أن تفلت من الثقب الأسود. و لكن كيف لها ذلك؟!

في السنوات الخمس الماضية، برز بعض علماء في الفيزياء النظرية و بالأخص جوزيف بولكينسكي (Joseph Polchinski) بجامعة كاليفورنيا بسانتا باربارا، الذين ادّعوا أن الثقوب السوداء عبارة عن أجسام مفرغة غير قابلة على تمرير شيء بداخلها. أي أن اصطدام أرواي بأفق الحدث سوف يجعلها تهتز على حاجز ناري لتنطلق إلى الخارج مرة أخرى.

العديد من الفيزيائيين النظريين يسلّمون بفكرة وجود ما دخل في الثقب الأسود، و لكن للقدرة على فهم طبيعة ما دخل، لابد لهم من اكتشاف أصغر خيط يقودهم إلى مصير المعلومات المبتلعة. و هذه تعد ضرورة لنجاح الأبحاث على نظرية الكم الجاذبي، و التي تعد محاولة لتوحيد تفسيرات الكون التي جاءت عبر الكم و الزمكان. حيث أنها تنطبق بشكل مباشر على دخلاء الثقوب السوداء، حيث توجد جاذبية هائلة تؤثر على مستوى كمي صغير.

الرابطة بين الكم و الجاذبية هي التي قادت مالداسينا "و في وقت لاحق" جافيريس للعلاقة "ER = EPR"، و للثقوب الدودية. العلاقة المقترحة بين قنواة "أو ممرات" الزمكان و الترابط الكمي تمثلت أيضاً في المعادلة "ER = EPR" و التي اشتهرت مع معتقد مستحدث يبيّن أن الفضاء قد نسج و ظهر للوجود عبر الترابط الكمي. من الواضح أن الثقوب الدودية كان لها دور في نسج الزمكان و جعل معلومات الثقوب السوداء تجد طريقها إلى الخارج. و لكن، كيف حدث ذلك؟

عند سماع جافيريس لمالداسينا أثناء تحدثه عن معادلته الغامضة و ما يملك من إثباتات لها، كان يعلم بأن الثقب الدودي التقليدي ER غير مستقر و غير قابل للعبور. و لكنه تساءل عما يعنيه مالداسينا بالثقب الدودي القابل للعبور كالذي عمل عليه ثورن و آخرون في العقود الماضية.

بعد انقضاء ثلاث سنوات على محاضرة كوريا الجنوبية، قام جافيريس و معاونيه غاو و وول بتقديم جوابهم، و الذي وسّع علاقة "ER = EPR". حيث لا وجود لثقبين دوديين تقليديين و زوج من الجزيئات المترابطة، بل هناك ثقب دودي قابل للعبور و نقل لحظي كمي "بروتوكول مكتشف يعود الى عام 1993، و الذي يسمح لنظام كمي بالإختفاء و الظهور مجدداً في مكان آخر، دون حدوث أي ضرر له".

بعد أن قرأ مالداسينا الورقة البحثية لغاو، جافيريس، و وول قال: "لقد وجدتها فكرة رائعة حقا، واحدة من تلك الافكار التي عندما يخبرك بها أحد ما، ترى بأنها واضحة جليّة".

مالداسينا و معاوناه دولاس ستانفورد (Douglas Stanford) و زينبن يانغ (Zhenbin Yang)، قد بدؤوا على الفور في استكشاف ما قد تحمله هذه الثقوب الدودية الجديدة من حلول للغز معلومات الثقوب السوداء. حيث صدرت ورقتهم البحثية في أبريل.

ساسكيند و يينغ زاو (Ying Zhao) من جامعة ستانفورد قد تابعوا العمل أيضاً، و أطلقوا ورقة بحثية أخرى حول موضوع الإنتقال اللحظي الكمي في يوليو.

يقول مالداسينا: "الثقب الدودي يعطي صورة هندسية مثيرة للإهتمام حول كيفية حدوث الانتقال اللحظي الكمي.". ثم أضاف: "في الحقيقة، المعلومات تنتقل <عبر> الثقب الدودي!"


الغوص في الثقوب الدودية

في الورقة البحثية لمالداسينا، ستانفورد، و يانغ "الغوص في الثقوب الدودية القابلة للعبور" التي نشرت في "Fortschritte der Physik"، اتّخذوا ثقباً دودياً من نوع آخر، حيث أن هذا الثقب الدودي تكون عن طريق ربط ثقبين أسودين، ثقب أسود أب، و ثقب أسود ابن تكون من نصف إشعاعات هوكينغ المنبعثة من الثقب الأسود الأب أثناء تلاشيه. و لابد لهذين الثقبين أن يرتبطا بشدة. و هنا، تعد المعلومات المتعلقة بمصير الثقب الأسود الأكبر واضحة، حيث أنها تجد طريقها خارج الثقب الأسود الصغير.

خلال مقابلة في هذا الشهر في مكتب مالداسينا الهادئ في IAS. قام مالداسينا الأرجنتيني-الأمريكي صاحب السجل التأثيري الحافل، بنقل تأملاته و تصوراته العميقة.

على الجانب الأيمن من لوح أسود ممتلئ بغبار الطباشير، قام مالداسينا برسم ثقبين أسودين متصلين بواسطة ثقب دودي جديد قابل للعبور. على الجانب الأيسر، قام برسم تجربة للإنتقال اللحظي الكمي، و التي وضعت من قبل العالمين الشهيرين في التجارب النظرية أليس (Alice) و بوب (Bob)، و اللذان ترجع لهما نظرية الترابط الكمي للجزيئات أ و الجزيئات ب.

لنقل أن أليس تريد نقل الكيوبيت ج (الكيوبيت: هو الجسيم الكمي الأساسي للمعلومات في الحاسوب الكمي) إلى بوب. ستقوم بالآتي: إعداد حالة مزدوجة من الكيوبيت ج و الجسيم أ، قياس تلك الحالة المزدوجة "أي ترجعهم إلى الأزواج الاساسية للبرمجة 0 و 1"، و إرسال النتائج الخاصة بهذه القياسات إلى بوب. باستطاعة بوب أن يستخدم هذه القياسات كمفتاح لتصنيع الجسيم ب، بطريقة تعيد إنشاء الحالة ج. و بهذا، فإن فوالا "وحدة من وحدات المعلومات الكمية" قد انتقلت لحظيا من مكان إلى آخر.

ذهب مالداسينا إلى الجانب الأيمن من اللوح و قال: "نستطيع القيام بعمليات مختلفة باستخدام زوج من الثقوب السوداء، و التي تتفق مع ما ناقشته عن النقل الكمي اللحظي. و بهذه الطريقة، فإن الرسالة تدخل إلى الثقب الدودي بالفعل!".

وان مالداسينا، حاصل على بروفيسوراه في الفيزياء بمعهد الدراسات الحديثة

لنقل أن أليس قد قذفت الكيوبيت ج بداخل الثقب الأسود أ. و بعد ذلك قامت بقياس الجزيء أَ من إشعاعات هوكينغ الخاصة بالثقب أ، و قامت بنقل نتائج القياسات عبر الكون الخارجي إلى بوب، و الذي باستطاعته توظيف هذه المعلومات لإنشاء جزيء هوكينغ بَ الخارج من الثقب الأسود ب. ما قام به بوب قد أعاد بناء ج، و الذي ظهر لبوب من الثقب الأسود ب، و الذي يعد نسخة مطابقة للجزيء الذي سقط في الثقب أ. و هذا هو باعث الحماس الرئيسي لبعض الفيزيائيين، حيث أن الثقب الدودي لغاو، جافيريس، و وولس يسمح باستعادة المعلومات المتعلقة بالثقب الأسود. حيث أنهم قاموا بوضع ثقبهم الدودي في هندسة زمكان منحنية سالبة، و التي تعمل كساحة عملية "على الرغم من كونها غير حقيقية" للعلماء النظريين في الكم الجاذبي. فكرة ثقبهم الدودي بدت تتسع لتشمل العالم الواقعي أيضاً، طالما يبقى الثقبان الأسودان متصلان بالشكل الصحيح. يفسر جافيريس: "لا بد للثقبين أن يكونا متصلين بشكل صحيح حتى تعمل طبيعة التفاعل التي اتخذناها بينهما بأبسط شكل يمكن تخيله". إذا سمحت لإشعاع هوكينغ من أحد الثقوب السوداء بالسقوط في ثقب أسود آخر، فإن هذين الثقبين سيرتبطان، و المعلومات الكمية التي سقطت في أحدهما ستستطيع الخروج من الآخر.

بهذا، فإن طبيعة الانتقال الكمي اللحظي تشكل حاجزاً أمام استخدام هذه الثقوب الدودية كآلات للسفر عبر الزمن. أي، أن أي شيء يسقط في ثقب دودي لا بد له من انتظار رسالة أليس لتصل إلى بوب بالذهاب إلى خارج الكون قبل تمكنها من الوصول. إذاً، الثقب الدودي لا يعمل كمدفع قادر على تحفيز السرعة لأن تتجاوز سرعة الضوء، حيث أنه و بواسطة مدفع كهذا سيصبح السفر عبر الزمن ممكناً. و بهذا، يبدوا أن الثقوب الدودية القابلة للعبور لا وجود لها في الطبيعة، طالما لا تستطيع تحفيز السرعة.

كتب غاو، جافيريس، و وول في ورقتهم: "الثقوب الدودية القابلة للعبور أشبه بالحصول على قرض بنكي، حيث لا تستطيع الحصول عليه إلا إذا غنياً بما يكفي مما يجعلك لا تحتاجه".


الأخطبوط البريء

عندما كانت الثقوب الدودية القابلة للعبور غير قادرة على القضاء على أسطورة السفر عبر الفضاء، بيّن بريسكيل أن مكتشف الثقب الدودي الجديد يقدم نتائج واعدة للتساؤلات التي تدور حول الجدار الناري للثقب الأسود، وذلك عبر اقتراح عدم تواجد جدار ناري للثقب الأسود في أفقه بالأصل! يقول بريسكيل: "إن هذا الإكتشاف ينقذ ما نسميه (بتكامل الثقب الأسود) و الذي يعني بأن الذي يدخل و الذي يخرج من الثقب الأسود ليسا نظامين مختلفين، ولكنهما يعدّان من منظوران تكامليان مختلفان للنظام نفسه". بذلك، إذا استمر التكامل "و هو الراجح" فإن العبور بأفق ثقب أسود من كون إلى آخر، لن يجعل أرواي "بطلة رواية إتصال" تشعر بأي شيء غريب. و هذا يعني أن في استطاعتها تحت ظروف معينة، الإنتقال عبر الثقب الدودي لغاو، جافيريس، و وول.

الثقب الدودي يتفق أيضا مع مبدأ التوحيد "Unitarity"، و الذي ينص على أن المعلومات لا يمكن أن تفقد، على الأقل بالنسبة للثقوب السوداء المترابطة التي تجري عليها الدراسات. يقول بريسكيل: "أياً كان ما يسقط في الثقب الأسود، فإنه في نهاية المطاف سيخرج منه على هيئة إشعاع هوكينغ. و الذي يمكن التفكير فيه كنسخة غير مرتبة لما عبر بالثقب الأسود".

بأخذ نتائجهم بعين الإعتبار، يعتقد بريسكيل بأنه لا بد "على الأقل لحضارة متطورة" أن تؤثر على ما يدخل في أحد هذه الثقوب السوداء عبر العبث بإشعاعاتها. كتب بريسكيل في بريده الإلكتروني: "تبدوا كفكرة مجنونة!، و لكن قد نستطيع تفسير ذلك عبر التفكير في الإشعاع، و الذي يرتبط بالثقب الأسود EPR المتصل بالشيء الداخل عبر الثقب الأسود بواسطة الثقوب الدودية ER. بذلك، فإن أي تغيير طفيف يطرأ على الإشعاع، باستطاعته أن يرسل رسالة يمكن أن تقرأ من داخل الثقب الأسود!". ثم أضاف: "ما نزال نملك السبل للذهاب، قبل أن نعرض الصورة بشيء من التفصيل."

على الرغم من ذلك، ما تزال المعوقات موجودة أمام توحيد نتائج الثقوب الدودية الجديدة مع ما يؤول إليه مصير المعلومات الكمية، أو ما قد تعنيه العلاقة ER = EPR.


الرسم التوضيحي المسمى "بالأخطبوط" و الذي يوضح العلاقة ER = EPR

في ورقة مالداسينا و ساسكيند التي قدمت المعادلة ER = EPR، تم إرفاق رسم أطلق عليه لاحقاً اسم "الأخطبوط" (ثقب أسود مع ثقوب دودية تشبه الأذرع تصل إلى جزيئات هوكينغ في مكان بعيد والتي انطلقت من الثقب الأسود نفسه). ثم قام العالمان بتوضيح الرسم: "إنه يبين نمط الترابط بين الثقب الأسود و إشعاعات هوكينغ. نحن نعتقد أن هذا الترابط سيقودنا إلى هندسة و قياسات الشيء الساقط في الثقب الأسود."

ولكن طبقاً لمات فيسر (Matt Visser)، عالم رياضيات و خبير في النسبية العامة بجامعة فيكتوريا من ويلينغتون في نيوزلندا، و الذي عمل على دراسة الثقوب السوداء منذ تسعينات القرن الماضي، فإن أبسط صورة للمخطط "الأخطبوط" لا تقدم تفسيراً صحيحاً. حيث أن أعناق الثقوب الدودية المتكونة من جزيء هوكينغ وحيد ستكون ضيقةً جداً بحيث تجعل مرور كيوبيت عبرها مستحيلاً. ثم يعود ليفسر: " عنق الثقب الدودي سيسمح بمرور حزم الموجة التي تمتلك حجماً أصغر من نصف قطر العنق. أما بالنسبة للموجات الكبيرة، فسوف ترتد عن أي عنق ضيق دون أن تتمكن من الإنتقال إلى الجانب الآخر."

ستانفورد، الذي شارك مالداسينا و يانغ في كتابة الورقة البحثية، بيّن بأن هذا هو أبسط تفسير ممكن للعلاقة ER = EPR، حيث أن لكل جزيء من إشعاع هوكينغ ثقب دودي خاص به شبيه بالذراع". ثم جاء بتفسير نظري آخر كان يجوب ذهنه حول العلاقة ذاتها (و الذي لم يصادف فشلاً ذريعاً كالتفسير السابق): " الفكرة كالتالي: لحفظ المعلومات من إشعاعات هوكينغ باستخدام هذه الثقوب الدودية القابلة للعبور، فإنه لا بد لأحد ما من تجميع إشعاعات هوكينغ معاً و التأثير عليها بطريقة معقدة." هذه القياسات الدقيقة المعقدة سوف تكشف عن معلومات الجزيئات التي سقطت بالداخل. حيث أنها تمتلك القدرة على تكوين ثقب دودي كبير قابل للعبور من خلال تلك الأذرع الأخطبوطية الصغيرة. و بذلك، فأن المعلومات باستطاعتها أن تمر من خلال هذه الثقوب الدودية الكبيرة الناتجة." ثم أردف مالداسينا: "بكل بساطة، فإن نظرية الكم الجاذبي قد تستقطب فكرة أكثر شمولاً لهندسة ER = EPR." ثم قال: "نحن نرى بأن الكم الجاذبي لابد له من اتباع هذا المبدأ، نحن نعتبره الدليل الذي يقودنا نحو هذه النظرية!".

في الكتاب العلمي الشهير لكيب ثورن "الثقوب السوداء و تشوه الزمن" الذي صدر عام 1994، أثنى كيب على الطريقة السببية التي اتخذها العلماء في أبحاثهم عن الثقوب الدودية. فقال: "لم يسبق لأي تجربة فكرية أن دفعت قوانين الفيزياء، كما فعلت تلك التي جاءت على هيئة إتصال الهاتفي من كارل ساغان!." و أضاف: "أعني بذلك، تلك التجارب الفكرية التي تستفسر عما يمكن أن تسمح به قوانين الفيزياء للحضارات المتطورة أن يوجد، و ما يمكن أن تحضره عنها."

 

المصدر:

 

ترجمة:

أمل مرزوق

"طالبة فيزياء، بجامعة البحرين، يشكل الفلك محور اهتماماتي ومنه تندرج هواياتي كرصد الأفلاك، القراءة، وعبر روابط غريبة.. الإلكترونيات، تعلم اللغات والكتابة، وغيرها، أسعى لجعل علم الفيزياء في متناول الجميع، بمحاولة نقله بلغة بسيطة قادرة على تغيير النظرة الشائعة نحوه"


مراجعة و تدقيق:

آيات أحمد

"طالبة توجيهي، أحب تنظيم الأمور وتنسيقها، ومن هواياتي الرسم وتعلم اللغات"


104 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page