top of page

لماذا تحتاج عملة البيتكوين إلى الفلسفة




من الطبيعي أن يُجري علماء الكمبيوتر أبحاثهم عن عملة البيتكوين فهي في الأصل برنامج كمبيوتر. ومن الطبيعي والمنطقي كذلك أن يدرسها علماء الاقتصاد لأنها قد أحدثت ثورة في الاقتصاد بشكل عام وفي الاقتصاد الرقمي المُستجد بشكل خاص. وبما أن هذه العملة الإلكترونية تعتبر أصلًا جديدًا ونادرًا من أصول الثروة التي يمكن إثباتها ونقلها بين جميع أنحاء العالم بدون وسطاء ولكونها أحد الأصول التي أظهرت تطورًا رهيبًا في مفهوم التسعير النفسي فمن غير المستغرب أن يهتم الأكاديميون بها.


إلا أن البيتكوين لم تُثر انتباه شريحة هامة من العلماء وهم الفلاسفة فقد كتب عدد قليل جدًّا عنها. ولذلك قد يتساءل المرء عن السبب وراء ذلك وقد يتساءل آخرون عن جدوى اهتمامهم بها، ولكن هذا الأمر مهم جدا بالنسبة لمتداولي هذه العملة الرقمية.


إليك السبب: تحتوي عملة البيتكوين على الكثير من الأجزاء المتحركة التي لا يعتبر أيٌّ منها جديدًا في حد ذاته فعملية التشفير ليست عملية جديدة وبروتوكولات الند للند ظهرت قبل سنوات من ظهور الكتاب الأبيض في عام 2008 وكذلك فكرة إثبات العمل والمحفزات والندرة واقتصاد إيكون 101 Econ 101)). ولكن الجديد في الأمر أن كل هذه المكونات لم تجتمع من قبل بهذه الطريقة إلا بفضل البيتكوين.


يشترك كل من أندرو إم بيلي، الأستاذ المشارك في العلوم الإنسانية في كلية ييل-إن يو إس، وبرادلي ريتلر، الأستاذ المساعد في الفلسفة بجامعة وايومنغ، وكريج وارمك، الأستاذ المساعد في الفلسفة في جامعة إلينوي الشمالية في تأليف كتاب عن عملة البيتكوين كأداة لمقاومة تجاوزات الشركات والدول.


الفلسفة والبيتكوين متشابهان، فبينما تركز بعض التخصصات على مواضيع معينة أو تنشر أنواعًا معينة فقط من البيانات أو النتائج المخبرية أو التجريبية أو نتائج المسح أو النماذج الشكلية أو البديهية، فإنه لا حدود للفلسفة على الإطلاق سواء من حيث الموضوع أو من حيث البيانات الأساسية. يطرح الفلاسفة أسئلة حول كل شيء ويستخدمون أي دليل يمكنهم العثور عليه لتقييم الإجابات فالفلسفة شاملة للجميع وهي الاختصاص النهائي الذي يجمع كل شيء.


إذن فهنالك ارتباط وثيق بين الفلسفة والبيتكوين لأن كل مكون من مكونات هذه العملة الرقمية المشفرة يقع ضمن اختصاص البحث الفلسفي. يستنبط الفلاسفة نتائجهم من أي دليل ذي صلة والأدلة ذات الصلة بعملة البيتكوين تشمل علم النفس والاقتصاد والتشفير وغير ذلك. ولكنه لا يمكن لعلم النفس ولا الاقتصاد ولا التشفير ولا علوم الكمبيوتر وحدها أن توفر فهماً عميقاً للنظام ككل لأن النظرة العامة على البيتكوين هي بالضرورة نظرة فلسفية.


باختصار: الفلسفة تُجمّع وكذلك تفعل عملة البيتكوين وهما شريكان طبيعيان كما أن الفلسفة مناسبة تمامًا لعملة البيتكوين. ولكن السؤال المطروح هو ما الذي يمكن أن تقدمه الفلسفة لمجتمع البيتكوين؟


يحتاج المضاربون إلى فهم ماهية البيتكوين قبل استثمار أموالهم فيها.

حسنًا، غالبًا ما تتعامل الفلسفة مع الأسئلة القِيمية أي الأسئلة التي لا تتعلق فقط بما هو موجود ولكنها تتعلق كذلك بما يجب أن يكون وما إذا كان جيدًّا أو سيئًا وعادلًا أو غير عادلٍ. إذا كنت تريد فهم SHA-256 أو UTXOs، فيجب أن تسأل خبير تشفير أو مهندس برمجيات، وإذا كنت تريد أن تفهم كيف يرتبط العرض النقدي بالسرعة والقوة الشرائية الحقيقية فاسأل خبيرًا اقتصاديّا.


أما إذا كنت تريد معرفة ما إذا كانت الخصوصية المالية التي يمكن أن توفرها عملة البيتكوين جيدة أو ما إذا كانت سياستها النقدية المناهضة للتضخم تعزز العدالة أو أنه يجب عليك أن تدعمها فاسأل الفلاسفة. وحتى عندما لا يجيب الفيلسوف على أسئلتك بشكل حاسم، فإن بإمكانه مساعدتك في العثور على العوامل المتنوعة وتقييمها.


قد تقلقك حقيقة أن الفلسفة تتعلق بالأسئلة أكثر من الإجابات كما أننا سلمنا للتو بأن الفلاسفة قد لا يجيبون على الأسئلة بشكل قاطع، ولكن تجاوز الفلسفة لهذا السبب هو إساءة فهم ما تقدمه. الفلاسفة لا يكتفون بطرح الأسئلة ثم يبتسمون ويمضون في طريق مرحهم. نحاول الرد عليهم فننجح أحيانا ولكن حتى عندما نفشل فإننا نحدد الشكل الذي يجب أن تبدو عليه الإجابات الجيدة ونعطي أسبابًا لتفضيل إجابات عن أخرى ونحدد المعايير التي يمكن من خلالها الحكم على الإجابات وما إلى ذلك. الفلسفة ليست مجرد أسئلة أو أجوبة. يتعلق الأمر بالأسباب. والأسباب تعمق الفهم حتى وإن لم تكن حاسمة.

تأخذنا الفلسفة، إذا ما تم استخدامها بشكل جيد، إلى ما وراء الشعارات وإلى العمل الشاق المتمثل في اكتشاف الأشياء دون أي قيود موضعية أو إثباتية.


الاستدلال المعياري ليس خاملاً بل هو القلب النابض لمجتمع البيتكوين. إليكم فرضية متفائلة: يريد متداولو البيتكوين أكثر من مجرد الثراء بل يطمحون أيضًا إلى جعل العالم مكانًا أفضل. ولكن هل سيصبح العالم مكانًا أفضل حالاً بدون مؤسسات مالية مركزية؟ تعتبر هذه الأسئلة معقدة ومعيارية وبعبارة أخرى هي أسئلة فلسفية ونحتاج إلى الأدوات الفلسفية لفهم البيتكوين وتقييم وعودها.



تحت المجهر

دعونا نلقي نظرة على مثال بمزيد من التفصيل


إذا كنت قد فكرت في بنية البيتكوين فأنت تعلم أنها تستخدم "مخرجات المعاملات غير المنفقة "UTXOs وليس الحسابات وربما تكون قد سمعت عن مُجمعات CoinJoin وCoinSwap وتقنيات أخرى لتعزيز الخصوصية. يمكن أن تعزز البيتكوين الخصوصية المالية ولكن ما هي قيمة الخصوصية المالية؟ وكيف يمكنك أن تكون أفضل حالًا لمجرد أن شخصًا ما لا يعرف كيف تستخدم أموالك؟ يمكن أن يساعدنا التفكير الفلسفي هنا في تجاوز الشعارات السهلة والتعمق في البحث الحقيقي. ضع في اعتبارك ما يلي (مستوحى من مقالة كلاسيكية عن الخصوصية):


الخلاصة: من الجيد أن تعتمد على تقنية CoinJoin لأنها تؤمن خصوصيتك المالية وهذا أمر جيد.


كيف ذلك؟


أولاً: هناك بعض الأشياء التي يتوجب عليك أن تخبر طبيبك بها ولكنك لن تخبرها لأصدقائك والعكس صحيح. فعلاقة الصداقة تختلف عن علاقة الطبيب بالمريض.


ثانيًا: من الصحي أن نتعامل مع أشخاص مختلفين بشكل مختلف. لماذا ا؟ التنوع في العلاقات كالصداقة والحب والمواطنة والزمالة هو أمر ممتع وهو من الأمور التي تجعل الحياة تستحق العيش. من الجيد أن يعرف أشخاص مختلفون أشياء مختلفة عنك وبالتالي يرتبطون بك بطرق مختلفة بشكل أساسي. من المحتمل أن تتعثر علاقاتك مع رؤسائك وزملائك في العمل والمعارف الأخرى إذا كانوا يعرفون كل الأشياء التي يعرفها أفضل أصدقائك عنك.


يريد متداولو عملة البيتكوين أكثر من مجرد الثراء فهم يريدون أيضًا جعل العالم مكانًا أفضل.

ثالثًا: شخصيتك الحقيقية يُظهرها تعاملك مع المال لأن معرفة ما تفعله بأموالك مثل نوع المنظمات الخيرية والقضايا السياسية التي تتبرع لها وقيمة التبرع على سبيل المثال يُظهر من تكون. كما أن ما ترغب في التخلي عنه مقابل شيء ما يظهر ما تقدره حقًا بطرق لا تستطيع الكلمات المجردة القيام بها.


رابعًا: على الرغم من أن للبيتكوين سلسلة كتل (بلوكتشين) عامة، إلا أنه يمكن استخدامها بطرق تحمي الخصوصية المالية. استخدام خاصية التجميع CoinJoin هو الانضمام إلى جمهور نقدي وإخفاء تفاصيل عمليات الشراء والبيع والادخار من أعين المتطفلين سواء كانت بطريقة ودية أو غير ذلك.


يمكننا وضع هذه الخطوات معًا لاستنتاج أن استخدام CoinJoin أمر جيد يسمح لك بتحديد الأشخاص الذين تسمح لهم بالاطلاع عن أموالك وما في قلبك. وبالتالي فإن استخدام هذه التقنية يحافظ على القدرة القيّمة للفصل بين العلاقات.


إنها طريقة مميزة في التفكير! وقد تكون مفيدة رغم أنه لا يمكن الجزم بذلك. لكن يجب أن تلاحظ شيئين اثنين: أولهما أن التفكير بهذه الطريقة يأخذنا إلى ما وراء الأسئلة والعبارات الواضحة فهو يمنحنا أسباب حدوث الأشياء.


وثانيهما هو أن اعتمادنا على نظرية حول العلاقات الإنسانية وتمايزها (علم النفس) يمنحنا فرضية حول كيفية كشف السلوك عن الشخصية (تطبيق لنظرية التفضيلات المكشوفة من الاقتصاد ونظرية حول ما تقوله تلك التفضيلات المكشوفة عنا) ويمنحنا نظرة عن تقنية CoinJoin (علوم الكمبيوتر التطبيقية). إن جمع كل هذه الأشياء معًا يُمكننا من إحراز تقدم في تفكيرنا، وهذه هي الفلسفة. هذا مجرد مثال واحد على كيف يمكن للفلسفة أن تساعد في صقل سؤال مهم واستخدام أنواع مختلفة من الأدلة في معالجته. وإليك المزيد من الأمثلة مع المجالات الفلسفية الذي تغطيها:


  • ما هو البيتكوين؟ ما طبيعته؟ ما نوعه وإلى أي فئة تنتمي من علم الوجود؟ (تنتمي إلى الميتافيزيقيا)


  • ما هي بالضبط معاملة البيتكوين؟ هل هو كلام أم تعبير؟ ما هي الهياكل القانونية الموروثة التي تنطبق عليها؟ (الميتافيزيقا وفلسفة القانون)


  • عندما أستخدم تقنية التجميع CoinJoin، هل أتحمل مسؤولية المخاطر بشكل شرعي؟ هل يتيح استخدامي للوسيط الخصوصية من خلال إخفاء تعاملاتي عن الآخرين؟ ما الخطوات التي يجب أن أتخذها للحد من مسؤوليتي الأخلاقية عند الانضمام إلى تقنية CoinJoing على سبيل المثال وجود شخص يغسل أمواله التي يجنيها من عمل غير قانوني مثل من الاتجار بالبشر؟ هل "مبدأ التأثير المزدوج" ساري المفعول هنا؟ (الأخلاق التطبيقية)


  • يمكن قلب السؤال أعلاه لنحصل على سؤال لا يقل أهمية. عندما أستخدم الدولار الأمريكي المادي، هل أتحمل مسؤولية المخاطر بشكل شرعي؟ هل يتيح استخدامي للوسيط الخصوصية من خلال إخفاء تعاملاتي عن الآخرين؟ ما الخطوات التي يجب أن أتخذها للحد من مسؤوليتي الأخلاقية هنا؟ (الأخلاق التطبيقية)


  • متى تنشئ الهارد فورك أصلًا جديدًا بشكل أساسي؟ هل يمكن أن تستمر عملة البيتكوين كأصل واحد بعد إجراء تغييرات في سياستها النقدية؟ هل تقوم الهارد فوركس بتغيير البيتكوين أو استبدالها بشيء آخر؟ (ميتافيزيقيا)


  • هل يجب أن تحكم آليات السوق عرض النقود أم ينبغي ترك ذلك للمؤسسات الديمقراطية؟ هل هناك مكان للحكم التكنوقراطي للأنظمة النقدية؟ (الفلسفة السياسية)


  • هل يجب أن أُشغّل عقدة الاستماع الكاملة الخاصة بي خاصة عندما تكون الفوائد التي أجنيها أو تجنيها الشبكة قليلة في أي مناسبة معينة؟ كيف يمكنني الموازنة بين العوامل الخارجية الإيجابية للشبكة السليمة مقابل راحتي المباشرة؟ (الأخلاق التطبيقية)

في كل حالة من هذه الحالات لن يعالج علم الكمبيوتر أو الاقتصاد وحده أكثر الأسئلة إلحاحًا حول البيتكوين فنحن بحاجة إلى جمع كل ما نعرفه عن تلك التخصصات بالإضافة إلى الميتافيزيقا وفلسفة القانون والأخلاق وما إلى ذلك. نحن بحاجة إلى التجميع أي بحاجة إلى الفلسفة. يعتقد البعض أن الفلسفة هي نظرة خاملة وأن بعض الأسئلة الفلسفية تناسب هذا القالب ولكن هل ينطبق هذا عن الأسئلة أعلاه؟ إن أي شخص يقرأ هذا المقال يجني فائدة من هذه الأسئلة. يحتاج المضاربون إلى فهم ماهية البيتكوين قبل ضخ استثمار أموالهم فيها كما يحتاج المدافعون عن هذه العملة إلى حجج ذات عمق أكبر إذا أرادوا إقناع جمهورهم بصدق بأطروحة قيّمة وطويلة المدى. يحتاج واضعو القوانين (ومن وضعهم في مناصبهم) إلى حكمة عملية في تقييم الأهمية المتزايدة للبيتكوين والدوافع الأساسية لمستخدميها. ويحتاج المستخدمون الواعون إلى تقييم أفضل السبل للانضمام إلى ثورة نقدية دون الإضرار بالآخرين أو بأنفسهم.


لقد بدأنا موضوعنا بالتساؤل عن علاقة البيتكوين بالفلسفة. ولكن السؤال الأفضل هو: كيف يمكننا التفكير في البيتكوين دون استخدام الفلسفة؟



 

المصدر:

 

ترجمة:

عبدالكريم


مراجعة وتدقيق:

فاطمة الزهراء المهدي


86 views0 comments
bottom of page