top of page

هوس المثالية والاختيار العقلاني، كيف يمكن لمخاوف الاقتصادي أن تُحيل بينه وبين تحقيق الأرباح؟

Updated: Apr 2, 2021




من البديهي أن طريقة تعاملك مع شخص ما بافتراض أنه عاقل وذو قرار راشد تختلف تماماً عن الطريقة التي سوف تتعامل بها معه حال افترضت أن تصرفاته ليست عقلانية وغير رشيدة، هذا هو تماماً الفرق بين الاقتصاد السلوكي والاقتصاد التقليدي الكلاسيكي.

بمعنى إن كنت مسؤلاً عن شخص قادراً على اتخاذ قرارته بكل عقلانية وتحت مسئولية فلن تكون مضطراً لإعطائه أي توجيهات أو نصائح لتحسين قراراته أو طرق معيشته، ولكن إن لم تكن مقتنعاً بذلك فأنك ستلجأ لأسلوب توجيه النصائح والتوجيهات التي تساعده في اتخاذ قرارته المصيرية الصائبة وهنا ستكون أفقدته الرشادة والأهلية في اتخاذ قراره وتحمل مسئوليته.


صناعة اللاعقلانية والاقتصاد السلوكي


فالنظرية الكلاسيكية التقليدية تفترض رشادة تصرفات الأفراد كوحدات اقتصادية، لذا لا نجد أن هذه النظرية وغيرها من النظريات الاقتصادية التقليدية لا تعمل على تصحيح سلوك المستهلكين أو المستثمرين.

على خلاف الاقتصاد السلوكي القائم على أساس أن الناس لا يتصرفون بشكل عقلاني، وهذا ما يبرر تعامله المختلف مع الفرد وقرارته الاقتصادية، لكن ما الذي يفعله هذا الفرع الحديث من الاقتصاد للتأثير على قرارات العقل الجمعي الاقتصادي ؟

وهل يمكن أن تعتمد عليه الحكومات والأفراد باللجوء إليه للوصول لقرارات أكثر عقلانية في المستقبل ؟


ريتشارد ثالر يتلاعب بالعقول


يًعد التاسع من أكتوبر عام 2017 تاريخاً فارقاً في مستقبل الاقتصاد السلوكي حيث فاز الاقتصادي الأمريكي الدكتور "ريتشارد ثالر" أستاذ العلوم السلوكية والاقتصاد في جامعة شيكاغو بجائزة نوبل لنظريته في الدفع والتحريك والتنبيه، والتي ضمنها في كتاب يحمل عنوان " الدفع" أو " الحفز " "The Nudging Theory" وهي نظرية تدفعنا نحو اتخاذ قرارات شخصية ومؤسسية أفضل.

حيث أثبتت الأبحاث أن تصميم الخيارات بشكل عقلاني جدير بأن يدفع الناس لأفضل القرارات دون تقييد حرية اختيارتهم لتبديل السلوك البشري بأسلوب متوقع دون تغيير كبير لحوافزهم الاقتصادية.


وذلك عكس ما سعت إليه النظريات التقليدية والتي تبنت أن الإنسان رشيد يسعى لتعظيم منفعته الخاصة ومنفعة المجتمع، كل هذه المفاهيم لم تلق قبولاً عند ريتشارد، فقرر أن يكرس حياته في البحث حول ماهية تلك المفاهيم ومدي صحتها، وهل تجد ما يؤيدها في الواقع؟ أم أن الناس يرتكبون الكثير من الحماقات في الحياة اليومية ؟


استمرت أبحاث ريتشارد ما يقرب الأربعين عاماً تطارد الفروض الأساسية التي بُني عليها علم الأقتصاد، وإلى أن توصلت أن الأمر ليس كذلك فالبشر ليسوا أجهزة كمبيوتر قادرين علي حساب تكلفة ومنفعة كل قرار يعترضهم في الحياة، وإنما خلال اتخاذ قرارتهم غالباً ما يتسمون بالعاطفة والتهور والمبالغة وأحياناً الحذر والخوف، وأنهم بشر وليسوا برامج حاسوب قادرة علي اشتقاق دوال العرض والطلب والتكلفة والمنفعة والمقارنة بينهم في دقائق معدودة ، ومن ثم اتخاذ القرار السليم في الوقت المحدد .


سوء السلوك: صناعة الاقتصاد السلوكي


ويمر العام خلف الآخر ويتقدم ريتشارد بالعمر إلا أنه لا يكف عن البحث والتجريب، ففي عمر السبعين وتحديداً عام 2015 أصدر كتاباً ثورياً آخر بعنوان "سوء السلوك : صناعة الاقتصاد السلوكي" إذ يُعد الكتاب سرداً لحياة كاملة عن سوء التصرف وعدم الرشادة.


فلم يرتضي ريتشارد يوماً أن يكون بين الخطوط أو يعيش بين الهوامش فقد كانت حياته ضرباً من الجنون العالمي الذي جعله عرضاً للانتقاد وبحس فكاهي عز أن تجد نظيراً له، وتقديراً لما أجراه من تجارب ساهمت في تحسين طرق رسم السياسات في عالم المال والأعمال .



 


بقلم:

آلاء الله أسامة

"باحثة اقتصادية"

101 views0 comments
bottom of page