top of page

إلى أي بعد من الممكن لكوفيد 19 أن يسبب لنا المرض؟



 

للاستماع إلى المقالة:


 

فهم آثار جائحة كوفيد-19 على الكثافة السكانية يعني الوصول إلى معرفة أمور أخرى علاوة على معرفة أرقام الإصابات والوفيات. كما هو الحال مع كثير من الأمراض، بعد التعافي من الإصابات الحادة والشديدة، تظهر مجموعة من الأعراض وتسمى في هذه الحالة (مضاعفات للمرض السابق) وتستمر لفترة أطول بعد الشفاء من المرض. ومع اقتراب نهاية الجائحة، نحن ما زلنا في المراحل البدائية لفهم مضاعفات ما بعد الإصابة (1).

فهم مرض كوفيد 19 هو أبعد بكثير من كونه مرضًا معديًا، ولكنه يسبب مضاعفات وأعراض على المدى الطويل. فهم هذا الأمراض المزمنة الذي تم تحديدها حديثًا والأعراض المرتبطة بها يمكن أن تسترشد بحالات أخرى من مضاعفات ما بعد العدوى.


كيف يمكن للفيروس أن يسبب مضاعفات حتى بعد الشفاء منه؟

هنالك الكثير من الطرق لعوامل العدوى (مثل البكتيريا، الفيروسات، الفطريات، الطفيليات، والبريونات). مثلًا، الضرر الناجم من العدوى الحادة يسبب أمراضًا في جسم المصاب حتى بعد التعافي من العدوى. و هذا يعد مضاعفات ما بعد العروى. فالميكروبات من الممكن أن تنتقل إلينا ومن ثم تبقى في أجسامنا لأشهر وسنوات من خلال استمرار الإصابة الحادة أو استمرار العدوى الكامنة (2). هذه الإصابات من الممكن أن تسبب أضرارًا ومضاعفات طويلة الأمد من خلال العديد من الطرق التي تضم التهابات تسبب تلف الأنسجة أو إعادة تنشيط الفيروسات الكامنة (العدوى الكامنة) التي تتضاعف مرة أخرى في أوقات التوتر والضغط.


ما هي الخطورة الناجمة عن هذه المضاعفات؟

من الممكن أن تكون المضاعفات خطيرةً جدًا: العدوى الناتجة عن بعض الميكروبات من الممكن أن تسبب على المدى الطويل السرطان ويكون هذا باندماج جين الفيروس مع جين الإنسان المضيف له، مما يسبب خللًا في ترجمة هذه الجينات في الخلايا المصابة. ولقد بينت الأدلة العلمية ذلك مع فيروس الورم الحليمي البشري HPV الذي يمكن أن يسبب عدوى بدون أعراض، أو عدوى متوسطة تؤدي الثآليل التناسلية، أو عدوى شديدة قد تؤدي للإصابة بالسرطان. لحسن الحظ، القليل من فيروسات الورم الحليمي البشري تسبب السرطان، ومن الممكن أيضًا الوقاية من أكثر الأنواع شهرة بالتطعيم HPV₁₆ وHPV₁₇. عندما يتحد الفيروس مع كروموسومات المضيف، اثنان من جينات الفيروس -E₆ و E₇- يزيدان من تعبيرهما، مما يتعارض مع عمل البروتين المسؤول عن تثبيط تكون الأورام. هذه البروتينات، التي توقف تضاعف الخلايا التي تتكاثر بشكل غير منتظم هي الآن غير منتظمة كالفرامل التي لا تعمل في السيارة. الآن الخلايا من الممكن أن تتضاعف بدون التحقق من آلية التضاعف التي من الممكن أن تؤدي إلى السرطان.

السرطان هو ليس النتيجة الخطيرة الوحيدة الناتجة عن العدوى. العقيدة المقيحة، البكتيريا التي تسبب التهاب الحلق والحمى القرمزية(3) وتلف الأنسجة خصوصًا القلب. العدوى غير المعالجة من الممكن أن تؤدي أولًا إلى حالة تسمى بالحمى الروماتزمية الحادة، والتي تظهر عادةً مع حمى والتهاب المفاصل أسابيع بعد العدوى الأولى. على الرغم من أن هذه الأعراض تزول عادةً في غضون أسابيع، تقريبا نصف المرضى الذين اصيبوا بالحمى الروماتزمية سيصابون بالتهابات بالقلب وهي عدوى من الممكن أن تصيب أي جزء من أجزاء القلب والتي من الممكن أن تؤدي إلى تلف دائم بالقلب. مرض روماتزم القلب من الممكن أن يكون ناتجًا عن ظاهرة تسمى تقليد مستضد: هنالك بروتينات محددة على سطح بروتينات العقيدة المقيحة تشبه في الشكل بروتين القلب الميوسن، ولذلك عندما تنتج الأجسام المضادة للمضيف لتحمي الجسم من العقيدة المقحية، من الممكن أن تهاجم بروتينات القلب الميوسن مما يسبب تلفًا للقلب.



كيف تبدو مضاعفات كوفيد 19؟

نحن مازلنا في طور البحث لتطوير تعريف محدد لمضاعفات كوفيد 19 ما بعد المرض، ولكن معظم الدراسات توصف المرضى مع مضاعفات تشمل الصداع والإعياء وألم بالمفاصل وألم بالعضلات والمفاصل وقصر معدل التنفس، وتدوم هذه الأعراض شهورًا أو أكثر بعد التعافي من الإصابة الحادة. ويبدو أن بعض المرضى سيطورون على المدى الطويل تلف القلب، الرئة أو أعضاء أخرى، مما قد يؤدي إلى مشاكل لها علاقة بوظائف المخ المعرفية مثل "دماغ الضباب"(4)، اكتئاب، قلق وبعض المشاكل بالنوم. تصل التقديرات العلمية إلى ما يقارب ثلث المرضى المتعافين من كوفيد سيعانون من أعراض ما بعد المرض لعدة شهور بعد الإصابة بالعدوى حتى و لو كانت أعراض كوفيد متوسطة الحدة.


ماذا نعرف عن آلية عمل مضاعفات ما بعد المرض؟

حاليًا هنالك العديد من النظريات التي تصف "كيف يمكن لفيروس كوفيد 19 أن يسبب مضاعفات على المدى الطويل". مضاعفات ما بعد المرض من الممكن أن تسبب التهابات قد تؤدي إلى تلف الأنسجة أو تسبب تلف الأنسجة بشكل مباشر من خلال تضاعف الفيروس في العضو المستهدف. من الممكن أن يبقى الفيروس في الجسم لفترة طويلة، ولكن ليس هنالك الوثائق التي تؤكد استمرارية العدوى في جسم المضيف للفيروس كورونا البشري(5) ولذلك تبقى هذه النظرية غير مثبتة.


ماذا أفعل إن اعتقدت أني أعاني من مضاعفات ما بعد المرض؟

هذه أيضا من المواضيع التي مازالت تحت الدراسة والبحث. عدد من المستشفيات وضع آلية لتشخيص المرضى بمضاعفات ما بعد المرض، ولكن ليس هنالك علاج محدد لهذه الحالة ككل. معظم العلاجات حاليًا تركز على السيطرة على الأعراض والتقليل من حدة الحالات التي تؤدي إلى تفاقم المرض (مثل الأنيميا، الاتهاب الرئوي أو أمراض القلب). هنالك بعض الأدلة التي تشير إلى أن التطعيم يمكن أن يساعد على تقليل الأعراض، ولكن نحن بحاجة إلى دراسات أخرى لتأكيد ذلك.

ما مدى صعوبة ربط المضاعفات بالمرض الأصلي؟

في الوضع العادي، من الصعب جدًا ربط مضاعفات ما بعد العدوى بالمرض الأصلي، ولكن طبيعة الجائحة سهلت هذه العملية.

في الظروف العادية (تحديدًا ليس في فترة الوباء)، هنالك قيد رئيسي لإنشاء علاقة سببية بين عدوى معينة ومضاعفات طويلة الأمد وهي الإمكانيات المحدودة بالتشخيص. هنالك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من مضاعفات ما بعد المرض بعد زوال الأعراض الحادة كان لديهم تجربة طفيفة مع كوفيد 19. لو لم نكن في جائحة، ربما لم يفكر مقدمو الخدمات الطبية كثيرًا في مثل هذه الأعراض، ووصفها بأنها "مجرد نزلة برد" أو حشرة في المعدة. في الواقع هنالك العديد من العوامل الأخرى التي يُعتقد أنها تسبب مضاعفات طويلة الأمد لها أعراض متشابهة (حمى، توعك أو شعور بالمرض، سعال، غثيان) أو لا توجد أعراض صريحة على الإطلاق في حين أنه يمكن للأنواع الجزيئية لفيروس الورم الحليمي البشري أن يسبب الثآليل التناسلية، في حين أن الأنواع المسببة للأورام منها نادرًا ما تسبب أي أعراض. معظم الناس يكتشفون فقط أنهم مصابون عندما تكون مسحة عنق الرحم إيجابية للحمض النووي الفيروسي. ولكن في الوباء ومع توفر الاختبارات بسهولة أكبر ووجود الملايين، تراقب بعناية العلامات الأولى من الحمى أو السعال وترفع مثل هذه القواسم المشتركة احتمالية الإصابة بالمرض. و بينما قد نفوت مضاعفات ما بعد العدوى ، من الممكن أيضًا أن نرى العكس: هنالك العديد من الأمراض التي يقترح أنها بسبب مرض معدي تفتقر إلى عامل سببي نهائي. مثلًا، السكري من النوع الأول يشتبه سابقًا منذ فترة طويلة مع محفز فيروسي من عائلة من الفيرسات تعرف باسم الفيروسات المعوية.


هل من الممكن أن يكون هنالك أكثر من سبب لمجموعة معينة من الأعراض المرضية؟

للأسف نعم، تتشابه العديد من أعراض كوفيد الطويلة مع تلك الخاصة بالتهاب الدماغ والنخاع العضلي / متلازمة التعب المزمن: الصداع والتعب و"ضباب الدماغ" وغيرها من الأعراض المتعلقة بالمخ، ألم بالمفاصل والعضلات، الاكتئاب والقلق، ومشاكل بالنوم. من الممكن أن تنتج مجموعة من العوامل المعدية عددًا من الأعراض المشابهة، مما يجعل تحديد المنشأ النهائي لهذه الأعراض شبه مستحيلٍ في غياب تفشي المرض.

و لكن بالنسبة لكوفيد 19 على الأقل، تأتي الإجابات. هنالك عيادات قد افتتحت في بعض البلدان لعلاج ودراسة المرض الذين يحملون أعراض ما بعد الإصابة بكوفيد. كما أن المعاهد الوطنية للصحة تلقت أكثر من 1 مليار دولار لدراسة الحالات. و بتوضيح الآليات التي بواسطتها قد يسبب كوفيد 19 أضرارًا طويلة المدى، نأمل ألا يتحسن فقط تعاملنا مع مضاعفات ما بعد المرض بكوفيد فقط، بل أيضًا فهمنا لبعض الأمراض الأخرى.

 

(1) PASC: Post-acute sequelae of SARS-CoV2 OR long COVID


(2) العدوى الكامنة هي قدرة الفيروس على البقاء ساكنًا داخل الخلية وهو ما يميزها عن الإصابة المزمنة و يتوقف خلالها تضاعف الفيروس داخل الخلية و لكن من الممكن أن يستعيد نشاطه ويتضاعف بكميات كبيرة دون إصابة المضيف (الإنسان الحامل للفيروس) بفيروسات خارجية من جديد.


(3) تميز بطفح جلدي أحمر برَّاق يغطي معظم الجسم. الحُمّى القرمزية دائمًا ما تكون مصحوبة بالتهاب الحلق وحُمّى شديدة (المصدر: مايو كلينك).


(4) إنه مصطلح يستخدم لأعراض معينة يمكن أن تؤثر على قدرتك على التفكير. قد تشعر بالارتباك أو عدم التنظيم أو تجد صعوبة في التركيز أو وضع أفكارك في كلمات.


(5) هي الفيروسات الذي يبقى غير نشط في جسم المضيف (لا يتضاعف) لفترة من الزمن ثم يستعيد نشاطه مسببًا العدوى للمضيف حتى مع عدم الإصابة بفيروسات خارجية.

 

المصدر:

 

ترجمة:

أمل محمد

"طالبة طب بشري في جامعة الإسكندرية مهتمة بقراءة كتب تطوير الذات والكتب العلمية ومتطلعة لمجالات الكتابة، التصميم، والموسيقى"


مراجعة وتدقيق:

كميل عبدالعزيز

"طالب فيزياء سنة أولى. مهتم بالرياضيات بشكل خاص والعلوم (غير الفيزياء) بشكل عام"

43 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page