للاستماع إلى المقالة:
الفخار هو كل ما شُكِلَ من الطين (خليط من رمال وماء) وحُرِق، فأصبح فخارًا صلبًا. الفخار (بعد الحرق) مادة صلبة وهشّة بعكس حالته الطبيعية فهو حينها مرن وسهل التشكيل.
من المكونات الرئيسية لطين الفخار: السيليكا (ثاني أكسيد السيليكون SiO2) الذي يوجد بكثرة في الرّمال، وهو مركب من ذرتي أكسجين وذرة سيليكون.
عند تعريض الطّين لدرجات عالية الحرارة تتبخر جزيئات الماء الموجودة فيه، وتتبلور ذرات السيليكا مُشْكِلةً بلّورات زجاجيّة تسدّ المسامات الموجودة في الطّين مما يكسبه القوّة والصّلابة ليتحوّل إلى فخّار. لجعل الفخار أقوى يتم تعريضه إلى درجات حرارة أعلى، ويضاف له مسحوق سيليكات الألمونيوم حتى يحفظه من التحطّم بفعل الحرارة العالية، كذلك يمكن جعله أقسى من خلال عملية "التزجيج"؛ حيث تضاف له مواد تتحوّل إلى زجاج عند صهرها، ويتم صهرها مع الفخار مكونةً "الخزف".
فخار مزجج (خزف)
تطورت تقنية صناعة الفخار، حيث أدخلت الأحجار السيراميكية إلى الصناعات الفخارية بجانب الطين، فظهرت صناعات فخاريّة جديدة مثل البورسلين، وهو خزف مصنوع من حجر سيراميكي يسمى الكاولينايت أو الكاولين "Al2Si2O5(OH)4".
حجارة الكاولين
أصبحت تقنيّة الفخار في القرن الواحد والعشرين مهمّة في العديد من الصناعات ولا يمكن الاستغناء عنها، فالفخاريات تدخل في صناعة أواني الطبخ، الأطباق، الأثاث المنزلي، الحمامات، الأدوات الصحيّة، الأجهزة الإلكترونية والرقاقات الإلكترونية وكذلك النوافذ، فالزجاج يعتبر نوع من أنواع الفخاريّات أيضًا؛ لكونه يَنتُج عن عمليّة حرق الرمال بدرجات حرارة عالية جدًا، إضافةً إلى أن الفخاريات تتميّز بقدرتها العالية على تحمّل الحرارة فتستخدم في مجالات حرارية عديدة، مثل العوازل الحراريّة.
الجدير بالذكر هنا أن كبسولة المكوك الفضائي حين تخترق الغلاف الجوي للأرض قادمةً من الفضاء ترتفع درجة حرارة سطحها بسبب احتكاك الكبسولة مع غازات الغلاف الجوي، مما يتسبب في ذوبان السطح وبالتالي لا يمكن استخدام الكبسولة مرةً أخرى. لذلك لجأ صانعو المكاكيك الفضائية إلى استخدام تقنية الفخّار لتغطية أسطح المكاكيك الفضائية بمادة سيراميكيّة تدعى "Nextel"، وهي مادة قوّية جدًا قادرة على تحمل درجات الحرارة العالية، فأصبحت المكاكيك الفضائية الآن تذهب وتعود باستمرار دون احتراق.
احتراق كبسولة المكاكيك الفضائية عند اختراقها الغلاف الجوي
المادة السيراميكية “Nextel”
بالرغم من ظهور معادن وصناعات أخرى، مثل الصّناعات الهيدروكربونية (صناعات تعتمد على مواد مشتقة من النفط) التي تحمل ذات الخصائص الفخاريّة، إلا أن مجال الفخاريّات لم يفقد أهميته؛ بسبب كونه منخفض التكلفة، إضافةً إلى أن الصناعات الجديدة تعتمد على النفط، والنفط معرّض لخطر النضوب! بل على العكس تماماً، فالعالم اليوم يتجه نحو تطوير التقنيّة الفخارية وإدخالها في الكثير من التطبيقات.
يعتبر الهاتف الذكي الذي تحمله بين يديك من أبرز الأمثلة على تطوير التقنيّات الفخاريّة، فالرّقائق الإلكترونية المستخدمة في الهاتف من معالج ومقاومات وغيرها، تم استخدام تقنيّات ومواد فخاريّة في صنعها. عدسات الكاميرا أيضًا، صنعت من زجاج الذي هو بدوره فخّار..
مقاومات إلكترونية
معالج إلكتروني من شركة ARM
إذن، نستطيع القول إن الإنسان قامت حضارته في العصر الحجري على الحجارة والفخار، وها هو بعد آلاف السنين يدخل ذات العصر لكن من مدخل مختلف، مدخل متطوّر بفعل تطويره للصّناعة الفخاريّة وتقنياتها.
للمزيد:
1. Ceramic - Wikipedia
2. NASA - Superhero Ceramics!
كاتب المقال:
حسين حبيل
"فيزيائي باحث في جميع العلوم الطبيعية، مهتم بشدة بالتاريخ، التراث والآثار، الخط العربي، الشعر، الموسيقى والرسم"
مراجعة وتدقيق:
زهراء العرادي
"متخصصة في علم الكيمياء، باحثة في القضايا العلمية الحديثة والمواد القابلة للنضوب مثل النفط (الذهب الاسود)، الغاز والذهب، مهتمة في مجال الكيمياء العضوية، الكيمياء الحيوية، الكيمياء الطبية"
مقال جميل وروعة إلى الأمام وربي يوفقكم